حصة مطالعة في مقال الدكتور خالد محمد فرح


KhalidFarahكتب الدكتور خالد محمد فرح مقالاً أدبياً بعنوان (قراءة في رواية “ترجمان الملك” للدكتور عمر فضل الله) ونشرته جريدة الصيحة في عدد الأربعاء 18/11/2015 في الصفحة 14 ثقافي. فقد أورد د. خالد في المقال أنه قرأ رواية ترجمان الملك من النسخة المهداة بخط المؤلف للدكتور الصادق الفقيه سفير السودان في الأردن والتي أعارتها إياه زوجة السفير الأستاذة أميرة الفاضل فخففت الرواية عليه من طول الرحلة وملالها تماماً. وقد أسعدتني هذه المقدمة مثلما أسعدني أن رجلاً بمثل قامة الدكتور خالد هو من القلة القليلة في السودان التي قرأت الرواية وهو أيضا من القليل ممن كتب عنها فالرواية اشتهرت جداً خارج البلاد وكتب عنها النقاد وأفردوا لها الصفحات بل وقدمت عنها الأوراق البحثية في المؤتمرات العلمية لكنها لا تزال غير معروفة لدى القراء في السودان. وقد وفق الدكتور خالد في عرض بعض جوانبها لكن البعض القليل الآخر قد استوقفني فرأيت أن أتناول بعضه في هذا المقال المختصر فإليكم بعض خاطرات دونتها صباح اليوم.
قال الدكتور خالد بعد أن عرض تلخيص الناشر للرواية: (وهو تلخيص واف في تقديرنا على الرغم من الخطأ الجغرافي الذي شابه والذي زعم الناشر بموجبه أن الحبشة تقع في وسط افريقيا وإنما هي في شرق هذه القارة في الواقع).

وأقول: ربما يكون الدكتور خالد محقاً إن قصد الحبشة الحديثة بحدودها التي تقع شرق السودان فهي في شرق القارة بكل تأكيد. لكن الحبشة القديمة كانت تمتد حتى حدود كردفان غرباً. وقد ذكر جدنا الفحل الفكي الطاهر في كتابه تاريخ وأصول العرب بالسودان (طبعة المصورات ص 179) أن النوبة والعنج لهم مملكة قوية في اثيوبيا المسماة سوبا اليوم شرق الخرطوم ولهم في النوبة العليا والنوبة السفلى ممالك ذات قوة ونفوذ. فقلت إن قوله: (اثيوبيا المسماة سوبا). والتي معناها الحبشة كانت تطلق قديماً على مملكة علوة. وهذا القول يدعم النظرية القائلة بأن الهجرة الأولى للصحابة كانت إلى الحبشة التي هي علوة وعاصمتها سوبا.! مثلما يفهم منه أن مملكة علوة في وسط السودان (ووسط افريقيا كذلك) هي جزء مما كان يطلق عليه بلاد الحبشة. وبهذا فلم يبعد الناشر كثيراً حين قال إن الحبشة تقع في وسط افريقيا!

ضبط ألفاظ الرواية:
قال الدكتور خالد: (وأما من حيث الشكل فقد لاحظنا أن المؤلف أو الراقن (الراقم)! قد حرص على ضبط الألفاظ بالشكل من لدن العنوان على صفحة الغلاف الأمامي واستمر على ذات المنوال حتى صفحة 20 فقط ثم تخلى عن التشكيل الصارم لجميع الألفاظ بعد ذلك فكأنه قد نكل عن ذلك الصنيع أو برم به و”زهج” منه كشأن عامة السودانيين!.

وأقول: شكراً على الملاحظة وهي في محلها فقد سبقك إلى ذلك الأستاذ الدكتور عثمان أبوزيد المستشار في رابطة العالم الإسلامي حين قدم ورقة عنوانها: القصة الأدبية في خدمة السيرة النبوية – رواية ترجمان الملك مثالا وذلك ضمن أعمال المؤتمر العالمي الأول للسيرة النبوية الشريفة المنعقد في جامعة أفريقيا العالمية بالخرطوم خلال الفترة من 29- 30 صفر 1434هـ الموافق 11- 12 يناير 2013م حيث ورد في ورقته ما نصه: (وإذا ما رجعنا إلى أسلوب النص الروائي ولغته، فلا يخلو من بعض الملاحظات اليسيرة، ومنها بدء الكاتب بتشكيل النص في أوله، ثم عدوله عن ذلك، وخيراً ما فعل، فإن إلحاق علامات الشكل بالكامل يحيل النص وكأنه كتاب مطالعة).
وكنت قد بدأت بضبط النص حين شرعت في كتابة الرواية فمن عادتي أن أضبط ما أكتب، لكن أحد أصدقائي الأدباء حين رأى النص فزع منه وهو الذي نصحني ألا أفعل لما علم من حرصي على العناية بضبط النصوص حتى يقرأها الناس بطريقة صحيحة منزهة عن اللحن الخفي والجلي فتوقفت عن ضبط بقية النص والتزم الناشر بمادة الكتاب كما هي وقد أخبرتني مديرة القسم الثقافي أنها لما عرضت الرواية على لجنة النشر جاءت توصية اللجنة بألا يمس المحرر نص الرواية فقد يفسدها التحرير وبذلك فهموا أنه ينبغي طباعتها كما هي فأبقوا على الصفحات الأولى دون أن يمسها أحد وبقى التشكيل كما هو في الصفحات العشرين.
فالضبط والتشكيل هو ديدني لا أنكل عنه ولا أبرم به ولا أمل، أو “أزهج”!! وكنت قد فعلت ذلك للمرحوم الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب حين كلفني بإعادة نشر كتابه المرشد إلى فهم أشعار العرب في العام 1993 فقمت بضبط صارم لألفاظ ذلك الكتاب وأعجبه العمل جداً حتى أنه أثنى عليه ثناء جميلاً وكان ذلك في بداية تسعينيات القرن الماضي إلا أنني اضطررت بعد ذلك لمغادرة البلاد قبل أن أكمل نشر الكتاب. في حين أن مثل هذا الصنيع لم يعجب الدكتور حسن الترابي حين ضبطت له الجزء الأول من التفسير التوحيدي بالشكل الصارم أو هكذا فهمت فقد نقل لي الأخ المحبوب عبد السلام ذلك فتوقفت عن ضبط ألفاظ تفسيره.

تُرجمان أهي بالفتح أم بالضم؟
قال الدكتور خالد: (غير أن كلمة “تُرجمان” نفسها قد ضبطت خطأ في العنوان إذ أنها قد رسمت بضم التاء هكذا (تُرجمان) والصحيح هو (تَرجمان) بفتح التاء. قال أبو الطيب المتنبي في قصيدته (شعب بوان)

ملاعب جنة لو سار فيها سليمان لسار بتَرجمان

ومن قبله قال عوف بن محلم الشيباني:

إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى تَرجمان

انتهى كلام الدكتور خالد.

فهذا الجزم بأن كلمة (ترجمان) قد ضبطت خطأ يجعل القاريء يتساءل أين الصواب؟ أهي بالفتح أم بالضم. والواقع أن كلا الوجهين صحيح فهي بالفتح كما ذكر الدكتور خالد غير أن ضبطها بالضم قد ورد في اللغة كما ورد في لسان العرب عند ذكر مادة ترجم بل وأنكروا على من يقول إنها بالفتح:

قال في لسان العرب:
ترجم : التُّرجمان والتَّرجمان : المفسر للسان . وفي حديث هرقل : قال لتُرْجُمانه ، التُّرجمان، بالضم والفتح : هو الذي يترجم الكلام أي : ينقله من لغة إلى لغة أخرى، والجمع التراجم، والتاء والنون زائدتان، وقد ترجمه وترجم عنه، وترجمان هو من المثل التي لم يذكرها سيبويه ، قال ابن جني :أما ترجمان فقد حكيت فيه تُرجمان بضم أوله ، ومثاله فُعللان كعُترفان ودُحمسان ، وكذلك التاء أيضا فيمن فتحها أصلية، وإن لم يكن في الكلام مثل جعفر لأنه قد يجوز مع الألف والنون من الأمثلة ما لولاهما لم يجز كعُنفوان وخُنذيان وريهقان ، ألا ترى أنه ليس في الكلام فعلو ولا فعلي ولا فيعل؟

وقال في تاج العروس للزبيدي:
فيه ثلاث لغات الاولى (كعُنْفُوَان) بضم الاول والثالث قال الجوهرى هناك ولك أن تضم التاء لضمة الجيم فتقول تُرجمان مثل يُسروع ويَسروع وأنشد للراجز
الا الحمام الورث والغطاطا * فهن يلغطن به الغاطا*
كالتُّرجمان لقى الانباطا
(و) قال الجوهرى يقال تَرجَمان مثل (زَعْفَرَان) أي بفتح الاول والثالث قال والجمع التراجم مثل زَعفران وزعافر وصَحصَحان وصحاصح ورأيت في هامش الكتاب ما نصه : (تَرجمان بفتح الجيم من مناكير الجوهرى وليس بمسموع من العلماء الاثبات قال (و) يقال تَرجمان مثل (رَيهقان) أي بفتح الاول وضم الثالث * قلت وهذه هي المشهورة على الالسنة .. الخ

ومن هذا يتضح أن كلمة تُرجمان في العنوان (بضم التاء) صحيحة وفصيحة والحمد لله ولم تضبط خطأ كما ذكر الدكتور خالد.

أكتفي بهذا التناول وقد أعود إلى كلام الدكتور خالد وتناوله الرواية من حيث المضمون فلذلك حديث آخر قد لا يتسع له هذا التنويه المختصر مني. فلك أجزل الشكر د. خالد فرح لتناول الرواية والكتابة عنها.

د. عمر فضل الله
أبوظبي – صباح الخميس 19/11/2015

 

نُشرت بواسطة

Omar Fadlalla

روائي عالمي من السودان فازت أعماله بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي 2018 وجائزة كتارا للرواية العربية 2018

أضف تعليق

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.